2008/12/27

صبار

دخلنا المقابر صبيحة يوم عيد النحر من الجهة الغربية..تاركين ورائنا زحام سوق العيد فى قريتنا الذى لم أزره من سنين..منذ كففت عن شراء ملابس جديدة والتباهى بالعيدية امام ابناء العمومة أقران الطفولة القريبة.
تيارات الهواء البارده تعبث بطرف جلباب ابى ..شعاع الشمس المرتعش ينعكس على نظارتى الشمسية,شعاع متردد مهزوز يستحى فشله تدفئة قلبى.
كان قبر عمى فى اخر الممر..أخضر , مدرج الى اعلى كهرم قصير خجول..اراه من مكانى بين المقابر الاخرى ..مميز بلونه وبنائه ,مشابه فى الارتفاع والوظيفه
كانت اقدامنا على التراب الاحمر الناعم تترك اثرا ولا تصدر اصواتا يتطاير التراب مع كل خطوه فى تأنى صاحب الدار ليهبط على حذائى الرياضى
"اديدس ,ستان سميث , تمشى بيه ف اى حته هيريح رجلك على الاخر يا باشا"
اقتربت منه باردا كالجو خارج نطاق معطفى الصوفى الناعم..اسمه محفور على قطعه رخام صفراء حائله اللون..تاريخ وفاته ودعاء
فقط !
ونبات صبار مقتول مرمى فوق طرف قصى من القبر,كان لونه كلون لسان بقرة الاضحيه ,باهت الحمره كالموت باهت ككل شئ هنا فقط ..التراب كان واثق اللون .حاولت ابعاد الصبار..لم اصل اليه
كان يخرج لى عشرة السنه تحمل اشواكاً , متبجحاً ببعده عن يدى
اخفض ابى يديه وتمتم
"امين"
بمبالة من يريد ان ينتهى
"اين قبر جدى ؟"
قال بصوت هادئ
"هنا"
اردف بعد نفس عميق
"كسرت لوحته ونحن نضع عمك"
نظرت للصبار ..كان هذا فوق احتمالى ..هو وحده يزكرنى بالموت هنا ..قلت بعصبيه
"هنا !"

"سنأتى جميعا هنا انا ,انت , اخوك, وابنائكم "
كان يتكلم ببطئ شديد
اغمض عينيه وأعاد رأسه الى الوراء فرسمت الشمس على وجهه ظلال..فتح عينيه مره اخرى
"كلنا سنأتى هنا"
استدار الى القبر ..وضع يديه عليه ..وانحنيت انظف حذائى
يحرك شفتيه وهو مطرق الى اسفل..احرك المنديل الورقى بعصبيه على الحذاء..عينه مغمضه ..اجول من خلف نظارتى فى المكان
يشهق
وازفر
ساكن كالتمثال ..هادئ
اخرج سيجاره ..اتملل
"كلنا"
قالها فجأه كصرخة الم قصيرة
كلا النافيه ولام الجزم
كمقصد وهروب
قالها وتجمدت..رفعت عينى اليه
ادخلت سيجارتى مكانها..وضعتها بجيبى الداخلى سحقتها الى أسفل خلعت نظارتى الشمسيه.

وتحرك الصبار ساقطا مع تيار هواء مفاجئ حمل لنا تهليل طفل لعيد بعيد

ليست هناك تعليقات: